“هل أنا معرّضٌ لخطر فقدان المسيح في مسيحيّتي؟” قد يبدو هذا السؤال غريبًا في البداية، لكن لا بدّ من طرحه اليوم.
كوننا مؤمنين نعرفُ يسوع حقَّ المعرفة ونحبّه ونؤمن به، هل فقدنا محبّتنا الأولى؟ هل خفتَ النّورُ الأعظم في قلوبنا؟ هل ما زلنا نقول بأمانةٍ: “نَفْسِي تَنْتَظِرُ الرَّبَّ أَكْثَرَ مِنَ الْمُرَاقِبِينَ الصُّبْحَ. أَكْثَرَ مِنَ الْمُرَاقِبِينَ الصُّبْحَ” (مزمور 130: 6)؟ قد نفقد تركيزنا على المسيح في بعض الأماكن الأكثر قيمة، مثلاً: الإنجيل، والكُتُب، والسّعي وراء القداسة، والكنيسة.
هل فقدناه في الإنجيل؟
إنّني أخطئُ في إعطاء يسوع مكانته الصحيحة في الإنجيل عندما يصبح الإنجيل بالنسبة إليّ مجرّدَ معادلة، وهي: الإنجيل زائد الإيمان يُساويان السماء. يتكلّم تشارلز سبورجون عن أهميّة التبشير بالمسيح بدلاً من التبشير بالإنجيل أو بأيّ شيء آخر، والسبب هو الميل إلى أن نعتبر الإنجيل فاقدًا للتواصل البشريّ. يصف بولس أنّ الله وعد بإنجيله بأنبيائه في الكتب المقدّسة، عن ابنه الذي هو من نسل داود من جهة الجسد، وأعلنه ابنَ الله بقوّة من جهة روح القداسة بالقيامة (رومية 1: 1- 4). إذًا، الإنجيل هو الخبر السارّ المتعلّق بشخص يسوع المسيح، ابن داود الذي تُنُبّئَ به منذ زمن طويل، وصُلب من أجل الخطيّة، وقام بقوّة، وصعد إلى يمين الآب، وسيعود قريبًا.
هل فقدناه في الكُتُب؟
قال يسوع للفرّيسيّين: ” فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي. ولاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ” (يوحنا 5: 39- 40). هل اكتسبنا عادات سيّئة في قراءة الكتاب المقدّس مثل هؤلاء الفريسيين العميان؟
سَلْ نفسك، ماذا تعلّمتَ من الكتاب المقدّس مؤخّرًا؟ ربّما تعلّمت عن الاكتفاء، أو عن كيفيّة التعامل مع الألم. وربّما اتّعظتَ بجرأة التلاميذ في سفر أعمال الرسل أو بقلب الخادم في الرسائل الرعويّة، وتعلّمت عن الصلاة في المزامير. هذه الدروس جميعها جيّدة ومهمّة. لكن سَلْ نفسك، ماذا تعلّمتَ عن المسيح مؤخّرًا؟ ما هي الأمور المتعلّقة به التي أثرَت قلبك وأشبعَت روحك؟ هل جعلك صليبُ المسيح تتواضع؟ وما الذي تنتظره فيما تشخص إلى السماء؟
لقد فكّرنا في مواضيع روحيّة كثيرة، لكن هل فكّرنا في المسيح نفسه؟ وتكلّمنا كثيرًا عن الإيمان، لكن هل تكلّمنا عن الشخص الذي نؤمن به؟ بحث الفريسيون في الكثير من المواضيع المقدّسة لكن فاتتهم رؤيةُ المسيح الذي كان أمامهم مباشرة.
هل فقدناه في سعينا وراء القداسة؟
عندما نفقد تركيزنا على يسوع في سعينا إلى القداسة، يُصبح التشبّه بالمسيح فضيلةً، والخطيّةُ مخالفةً غير شخصية. وسرعان ما تصبح القداسةُ بمثابة حسابٍ أخلاقيّ، حيث نأخذ السمة الإيجابيّة التي نُريدها ونحسب مقدارَ ما نحتاجه منها. لكنّ قداستنا تنظر إلى يسوع وتُشبه يسوع، وإذ ننظر إلى مجده، نتغيّر إلى تلك الصورة عينها (2كورنثوس 3: 18). لا نسعى إلى التمتّع بتلك الفضائل الجميلة من أجل ما تقدّمه لنا، بل نلبس الرّبَّ يسوع المسيح (رومية 13: 14).
هل فقدناه في الكنيسة؟
يجب أن نُعرَفَ بمحبّتنا بعضنا لبعض، ولكن ليس هذا كافيًا. لا يمكننا أن نركِّز على محبّة المؤمنين الآخرين الأفقيّة وننسى محبّة المسيح العموديّة، وبالتالي نأخذ على محمل الجدّ الوصية الثانية بأن نحبَّ بعضنا بعضًا كأنفسنا، بينما نتجاهل الوصيّة الأولى، أي محبّة الرّبّ بكلِّ ما لنا. يمكننا أن نقود اجتماع الصلاة، أو نعظ على المنبر، أو نتمرّن على الترنيم والعبادة، ونفقد في الوقت ذاته التركيز على يسوع. ولكي تظلّ الجماعة المسيحية ثابتة وراسخة، يجب أن تكون مأسَّسة على عمل المسيح، وممتلئة من روحه، وموجودة لمجده.
إذًا، تقدّم يا مؤمن في معرفة شخص الله ولا تكتفِ فقط بالمبادئ الأخلاقيّة والنصائح التي يقدّمها، بل ركّز على تعميق علاقتك الشخصيّة به. اطلُب من الخدّام كما طلب اليونانيّون من فيلبس: “يَا سَيِّدُ نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوعَ” (يوحنا 12: 21).
تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي لتبقوا على اطّلاع بكل كتبنا الجديدة.