“الأَشْبَالُ احْتَاجَتْ وَجَاعَتْ وَأَمَّا طَالِبُو الرَّبِّ فَلاَ يُعْوِزُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ” (مزمور 34: 10).
عبارة أطلقها “المعلِّم” وهي تحمل الكثير من العِبَر، بل هي دُرَّة ثمينة جاد بها، إن قبلناها وعملنا بها نسكِّن قلوبنا ونؤمِّن سلامنا ويهنأ عيشنا. فهي نصيحة فاه بها “المعلِّم” ضمن عظته الشهيرة على الجبل. وهي موجَّهة بالدرجة الأولى إلى تلاميذه وبالتالي إلى أتباعه وخاصّته على مرّ العصور والأجيال. فهو الشريك مع الآب والروح القدس في تكوين الإنسان، يعرف حاجات الإنسان الضروريّة وما في داخله من رغبات وهموم وأفكار. فالإنسان في ضعفه، بسبب الخطيَّة، عليه أن يفكِّر ويسعى ويعمل لكي يبقى على قيد الحياة.
وعندما يُكمِل “المعلِّم” حديثه بالقول: “يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ”، فهذا يعني أنَّ العالم المتسلِّط عليه إبليس تكتنفه الشرور والمصاعب والتجارب. ولكلّ يوم مشاكله ومتاعبه، وعلى الإنسان أن يجابهها يومًا بيوم. ولكن الله الآب لا يريد لنا أن نتخبَّط في المشاكل والهموم أكثر من طاقتنا. فالذي أعطى هذه النصيحة هو نفسه الذي صرَّح عن هدف مجيئه إلى عالمنا قائلاً: “وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ” (يوحنا 10: 10). إنَّه يريد الأفضل للإنسان، روحيًّا ونفسيًّا وجسديًّا.
لقد دبَّر لإحياء الإنسان روحيًّا بالفداء، كما نقرأ: “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ” (يوحنا 3: 16).
وعمل أيضًا كلّ شيء لإحياء الإنسان جسديًّا، فهو المعطي مطرًا للصالحين والطالحين. وهو الذي من ثمر أعماله تشبع الأرض ومَن عليها. وهو “الْمُنْبِتُ عُشْبًا لِلْبَهَائِمِ، وَخُضْرَةً لِخِدْمَةِ الإِنْسَانِ، لإِخْرَاجِ خُبْزٍ مِنَ الأَرْضِ” (مزمور 104: 14).
وهو نفسه يريد أن يريح الإنسان نفسيًّا وفكريًّا كي لا يُحمِّل نفسه فوق طاقتها من هموم ومخاوف وهواجس. لأنَّ الله كفيل بأن يتعهّدها ويهتمّ بها. “لاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ” (متّى 6: 34)، لا يعني هذا ألاّ نُعنى، وألاّ نفكِّر، وألاّ نسعى بما يتعلَّق بالغد، بل المطلوب هو ألاّ نضطرب، وألاّ نتوجَّس، وألاّ نقلق من جهة أُمور الغد التي سيتكفَّل بها مَنْ خلقنا واعتنى بنا وفدانا وجعلنا له بنين وبنات. أليس أنَّنا أفضل بكثير من طيور السماء وزنابق الحقل التي يهتمّ بها الآب السماوي يومًا بيوم دون عناء منها؟
ساعدني يا ربّ كي أتّكل عليكَ وأضع أُموري جميعها بين يديك، لأنَّكَ أمين وتهتمّ بكلّ أحوالي. انزع يا ربّ كلّ قلق واضطراب وهمٍّ وخوف من حياتي وكُن ملجإي وحصني. آمين.