هل أجد دعوتي للخدمة بفعلِ قوّة داخلية تدفعني إلى البدء بشيء جديد؟ أو هل تأتي الدعوةُ من الخارج أو من الأشخاص الذين يُخبرونني أين توجد حاجةٌ يمكنني أن أسدّها؟

الله هو مَن يمنح الخدمة

يقول الرسول بولس للشيوخ المجتمعين في أعمال الرسل 20: 28: “اِحْتَرِزُوا إذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً لِتَرْعُوا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ.” لقد أقام الله هؤلاء الأشخاص أساقفةً في الكنيسة بشكلٍ حاسم، ولم يُقيموا هم أنفسهم. ويقول أيضًا في أفسس 4: 11- 12 إنّ المسيح ” أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ، لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ.” هؤلاء الخدّام هم هبةٌ من المسيح لجسده، وقد أعطاهم هذه الخدمة باعتبارها هبةً منه. ثمّ يقول الرّبّ يسوع في متى 9: 37- 38: ” الْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلَكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ.” إذًا، يُرسِل الله مَن يريد وأينما يُريد للعمل في حقله.

بوسع أيّ واعظٍ أن يعظ من دون أن ترسله الكنيسة، ولكن ليس هذا ما يتكلّم عنه بولس. فهو يقول إنّ لا أحد يستطيع أن يعظ متمتّعًا بسلطان الله إن لم يُرسله الله. إذا كان أحدهم يكرز بالإنجيل بشكلٍ يليق بمتحدّثٍ أمينٍ باسم الله، فهذا يعني أنّ الله أرسله، ولم يُرسِل هو نفسَه. الله وحده يقيم الأشخاص في خدمة الكرازة بالإنجيل.

نقرأ في لوقا 12: 41: ” فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «يَا رَبُّ أَلَنَا تَقُولُ هَذَا الْمَثَلَ أَمْ لِلْجَمِيعِ أَيْضاً؟» فَقَالَ الرَّبُّ: فَمَنْ هُوَ الْوَكِيلُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الْعُلُوفَةَ فِي حِينِهَا؟” بالنسبة إلى الرّبِّ يسوع، إنّ الرعاة والمعلّمين الذين يخدمون شعبَه هم بمثابة وكلاء على بيتٍ. لم يوجدوا هناك بشكل عشوائي، بل عيّنهم الله وأقامهم على بيته ليعتنوا به.

إذًا، لا نكتشف خدماتنا بالصدفة، بل يُرسلنا الله إليها بشكلٍ حاسم. لكن من الناحية العمليّة، كيف يعمل الله في قلوب شعبه وأذهانهم بشكلٍ يمكّننا من معرفة الخدمة التي يُريد منّا أن نقوم بها؟ كيف نميّز إرشاده وقيادته للوصول إلى حيث يريد منّا أن نكون؟ سأذكر بإيجاز فقط أربعة أمور يفعلها الله ليبيّن لنا دعوته لنا.

 

رغبةٌ قلبيّة متنامية

طبعًا، لا بدّ أوّلاً من أن تكون في قلوبنا رغبةٌ مستمرّة وشديدة في العمل لله. يقول بولس في 1 تيموثاوس 3: 1: “صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ: إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحاً.” في خلال مرحلتَي دعوتي إلى الخدمة، وضع الله في قلبي في خريف العام 1966، عندما كنت في العشرين من عمري، رغبةً شديدة وثابتة في خدمة الكلمة. وفي خريف العام 1979، وضع في قلبي أيضًا رغبةً في الكرازة بالكلمة بصفتي راعيًا. لم تكن هذه الرغبات تدفعها عاطفةٌ سريعة وعابرة، بل كانت عميقة وغير متزعزعة وتغلّبت على عقبات كبيرة.

أهليّةٌ للخدمة

ثانيًا، هناك أهليّة أو موهبة يمنحها الله للفرد ليقومَ بخدمة معيّنة، وتظهر هذه في مجموعةٍ من القدرات التي نتمتّع بها وأيضًا في الثمار التي تَبينُ في الأشخاص الذين يستفيدون روحيًّا بواسطة هذه القدرات. ويؤكّد لنا المؤمنون الأكثر نضجًا وتمييزًا صحّةَ هذه القدرات التي نمتلكها. لم يقل بولس الرسول للشيوخ: “إذا رغبتَ فيها فستحصل عليها”، بل أعطى لائحة طويلة بالمؤهّلات في 1تيموثاوس 3: 1- 7. يشغل الفردُ دورًا في خدمة معيّنة بفضل مجموعة من القدرات الظاهرة فيه، وبفضل الثمر الذي يظهر في الأشخاص الذين يستفيدون روحيًّا من هذه القدرات، وبفضل الإخوة والأخوات الذين يؤكّدون صحّةَ هذه الثمار والموهبة.

تشجيعٌ خاصّ

ثالثًا، غالبًا ما يكون هناك تشجيعٌ خاصّ من أشخاصٍ آخرين يحثّونك على أن تنخرط في خدمة معيّنة. في أعمال الرسل 16: 3، نفهم أنّ بولس أراد من تيموثاوس أن يأتي معه، وكان طلبُه مباشرًا. يحدث هذا أحيانًا كثيرة عندما يأتي شخصٌ ما ويقول للآخر: “أظنُّ بشدّة أنّه يجب عليك القيام بذلك.” ثمّ يتبيّن أنّ هذا حثٌّ وتشجيعٌ من الله يجعل الفرد يتغلّب على تردّده.

ثقةٌ في نعمة الله

أخيرًا، هناك ارتباطٌ وثيقٌ بين لحظاتنا الأكثر تكريسًا وقوّةً روحيّة، والإحساس بنعمة الله وتوجيهه المتعلّق بالخدمة في تلك اللحظات بالذات. بعبارة أخرى، عندما نشعر بثقة أكبر في نعمة الله وإرشاده، في هذه اللحظات نكون أقلَّ دنيوية ولامبالاة، وأكثرَ روحانيّة.

هناك ارتباطٌ بين مواسم الحياة هذه – عندما يبدو أنّ الله ينزع منّا كلَّ ما هو دنيويّ وكلَّ أنانية وجشع وفخر- وفي تلك اللحظات نشعر بشيء يدفعنا نحو الخدمة بحماسة وثقة. يؤكّد الله لنا خدماتنا ليس في اللّحظات التي يظهر فيها الجسدُ والأنانيّةُ، بل في اللحظات التي يظهر فيها التواضعُ، وانكسارُ القلوب والتضحيةُ والمحبةُ.

إذًا باختصار، هناك أمورٌ عمليّة وعلائقية وذاتية تدفعنا نحو الخدمة. ولكن في النهاية، يضعنا تدبيرُ الله وعملُ يديه حيث يريد منّا أن نكون.

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي لتبقوا على اطّلاع بكل كتبنا الجديدة.

Dar Manhal Al Hayat (@darmanhalalhayat) | Instagram

Dar Manhal Al Hayat | Facebook