غالبًا ما يُطرح السؤال الأساسيّ التالي: كيف أعرف هويّتي الذاتيّة؟ خذ على سبيل المثال لاعب كرة قدم سابق. لقد كرّس حياته للألعاب الرياضيّة التنافسيّة واكتشف مثل أيّ رياضيّ آخر في نهاية المطاف أنّ سيرته المهنيّة سوف تنتهي. وبالفعل انتهت أسرع ممّا توقّع، وعندها، خيّم الظلامُ على حياته إذ فشل في تحقيق أهدافه الرياضيّة. لم يكن مستعدًّا لهذه النهاية غير المتوقّعة وللابتعاد عن المنافسة والجامعة والانفصال عن زملائه في الفريق. فكيف يجد رياضيٌّ مثله هويّته الآن؟
تُعدّ رسالة رومية مفتاحًا لفهم المرء هويّته. نقرأ في رومية 1: 1: “ بُولُسُ عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ الْمَدْعُوُّ رَسُولاً الْمُفْرَزُ لإِنْجِيلِ اللهِ.” في هذه الآية نرى ثلاثة عناصر هي: الرجل ورسالته وإلهه.
إلى مَن تنتمي؟
لا تركّز هذه الآية على مَن هو بولس، بل على الشخص الذي ينتمي بولس إليه. وأستنتجُ ذلك من ثلاث عبارات: “عَبْدٌ” قد اشتراهُ آخر، و”مَدعوّ” من آخر، و”مُفرَز” من آخر. إذًا ثمّة شخصٌ آخر تشير إليه هذه الآية، أليس كذلك؟ يبدو في البداية أنّ الآية تتكلّم عن بولس، لكنَّ هذا ليس صحيحًا. هناك شخصٌ آخر كامنٌ وراء بولس، وهو مَن اشتراه ودعاه وأفرزه.
إذًا ليس السؤال الأهمّ “مَن أنا؟” بل “إلى مَن أنتمي؟” ولا بدّ من الإجابة عنه. إلى مَن تنتمي؟ هنا تكمن المشكلة. ففي عصرنا هذا، انحرفنا جميعًا عن الهوية الذاتية منهمكين بقيمتنا وعزّة نفسنا، أمّا بالنسبة إلى الكتاب المقدّس، فالقضيّة الأهمّ هي التمتّع بعلاقة صحيحة مع الله الذي ننتمي إليه.
عبدٌ للمسيح
العبارة الأولى التي ترد في الآية هي “عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ”. قد يبدو بولس بالنسبة إلى بعض الأشخاص رجلاً مجنونًا لأنّ يسوع كان قد مات وبالتالي لا يمكن أن يكون سيّدًا على أحد. أمّا بولس فيقول: “إنّه سيّدي، وهو حيٌّ. إنّني عبدٌ ليسوع المسيح الحيّ.” هل هذه كلماتُ رجلٍ مجنون يظنّ أنّ الناس يموتون ثمّ يقومون من القبر بعد ثلاثة أيّام ويصبحون أسيادًا على الناس؟ أو هل من المحتمل أن يكون هذا قد حدث في الواقع، وجميعُ الأشخاص الذين يتجاهلون ذلك أو يسخرون منه هم غير واقعيّين؟ عليك أن تختار بما تؤمن، إذ هذه مسألة مهمّة. فهل بولس مجنون لأنّه يدعو نفسه عبدًا ليسوع المسيح؟
وماذا يعني أن يكون عبدًا؟ يعني أنّ المسيح اشتراه وجعله خاصّتَه. نقرأ في 1 كورنثوس 7: 23: “ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ فَلاَ تَصِيرُوا عَبِيداً لِلنَّاسِ.“ فأن تكون عبدًا لشخصٍ ما يعني أنّه اشتراك، وقد اشترى المسيحُ بولس ويخبرنا بولس بذلك عندما يدعو نفسه عبدًا للمسيح. وبصفتك مؤمنًا، أنت مِلكٌ للرّب الذي اشتراك، وبالتالي بوسعه أن يفعل بك ما يشاء، ما يعني أنّه يحكم في حياتك ولا بدّ لك من أن ترضيه. نقرأ في غلاطيّة 1: 10: “أَفَأَسْتَعْطِفُ الآنَ النَّاسَ أَمِ اللهَ؟ أَمْ أَطْلُبُ أَنْ أُرْضِيَ النَّاسَ؟ فَلَوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِي النَّاسَ لَمْ أَكُنْ عَبْداً لِلْمَسِيحِ.” لكنّني عبدٌ للمسيح ولذلك لا يهمّني أن أرضي الناس إلّا إذا كان إرضائي إيّاهم سيقودهم إلى إرضاء سيّدي، ويُشار إلى هذا في رومية 15: 1- 7.
لسنا مهتمّين بالرأي البشري
أصبح الآن جلُّ تفكير بولس كيف يرضي المسيح ويكرمه ويعظّمه. نرغب اليوم في رؤية كنائس تتألّف من أفرادٍ يهتمّون بشكل جذري بإرضاء المسيح وإكرامه وتعظيمه ويتركون الأمورَ تأخذ مجراها، بدلاً من أن يكونوا مثل جميع الناس مهتمّين بآراء البشر، ولا رؤية ولا قيَم لهم يعيشون من أجلها بانتصار، وغالبًا ما يتساءلون: “تُرى ما رأي الناس بهذا الشيء وبذاك؟” إنّهم يعيشون حياتهم بناءً على نظرة الآخرين لهم، محاولين دائمًا الحصول على مدح الناس وإعجابهم. لكن هذه طريقة عيش خاطئة. يقول بولس إنّه ينتمي إلى آخر قد اشتراه، ولديه فقط شخصٌ واحدٌ يريد أن يرضيه وهو المسيح. وهكذا ينبغي لنا نحن أيضًا أن نعيش.
تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي لتبقوا على اطّلاع بكل كتبنا الجديدة.