الكتاب المقدّس ليس ساذجًا!
بدايةً، أوّل أمر يتملّكني هو واقعيّة الكتاب المقدّس المطلقَة. لقد أمضيتُ سنوات عدّة في تأليف كتابٍ عن العناية الإلهيّة، وشهرًا بعد شهر شعرت بالدهشة من مدى صراحة الكتاب المقدّس وأسلوبه المباشر في تقديم أحكام دينونة الله على العالم، لا سيّما على شعبه. مجرّد مثال من تثنية 28:
يَضْرِبُكَ الرَّبُّ بِالسِّلِّ وَالْحُمَّى وَالْبُرَدَاءِ وَالالْتِهَابِ وَالْجَفَافِ وَاللَّفْحِ وَالذُّبُولِ. . . وَتَكُونُ قَلِقًا فِي جَمِيعِ مَمَالِكِ الأَرْضِ. وَتَكُونُ جُثَّتُكَ طَعَامًا لِجَمِيعِ طُيُورِ السَّمَاءِ وَوُحُوشِ الأَرْضِ. . .. يَضْرِبُكَ الرَّبُّ بِقُرْحَةِ مِصْرَ وَبِالْبَوَاسِيرِ وَالْجَرَبِ وَالْحِكَّةِ حَتَّى لاَ تَسْتَطِيعَ الشِّفَاءَ. يَضْرِبُكَ الرَّبُّ بِجُنُونٍ وَعَمًى وَحَيْرَةِ قَلْبٍ. . . لأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ. . . مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ لَمْ تَعْبُدِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِفَرَحٍ وَبِطِيبَةِ قَلْبٍ لِكَثْرَةِ كُلِّ شَيْءٍ. (تثنية 28 :22، 25-28، 45، 47)
“الكتاب المقدّس لا يتراجع عند مواجهة أيّ خوفٍ أو ظلم في هذا العالم.”
وجهة نظري هنا بكلّ بساطة هي أنّ اعتراضاتنا على طرق الله ليست لأنّنا نرى الأمور بوضوح أو بصدق أكثر ممّا يراها الكتاب المقدّس. لا يتراجع الكتاب المقدّس عند مواجهة أيّ خوفٍ أو ظلم في هذا العالم. هذه هي نقطتي الأولى. لا أستطيع أن أتخلّص من الكتاب المقدّس باعتباره ساذجًا أو مخادعًا أو مُبرّأً من المآسي التي يأمر بها الله بنفسه.
الألم شاهد للخطيَّة
إليكم خطوتي الثّانية: إنّ الأهوال الجسديّة في العالم يمكن أن تبدو منطقيّةً بالنسبة إلينا ويكون لها مغزى وحلّ إلهي نهائي فقط إذا توصّلنا إلى اعتناق الواقع الكتابي الذي ينظر إلى خطيَّة الإنسان ضدّ إله حكيم وعادل وصالح ولا محدود على أنها شرّ أخلاقيٌّ أكبر منه شرّ جسدي شهده العالم على مدى قرونٍ من الزمن. أرجو أن تقرأوا الجملة السابقة بدقّة مرّة أُخرى، لأنّ الأمر جوهري، ويصعب جدًّا على الأشخاص الذين لم يختبروا عمل الرّوح القدس العظيم أن يفهموه.
أنا لا أقول إنّ كلّ اختبار للألم يكون بقدر خطايا الشخص المعني بهذه التجربة. إذا كان هذا صحيحًا، فسنصبحُ جميعنا في الجحيم. بقدر ما أستطيع شرحَه، وبقدر ما يكشف لنا الكتاب المقدّس، ما من علاقة واضحة بين مقدار ألم المرء في هذا العالم ومقدار إثمه. ما أُعبّر عنه هنا هو ما يعنيه بولس في رومية 8: 20-23، عندما يقول الرسول:
إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ – لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا – عَلَى الرَّجَاءِ. لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ. فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ (كأنّ الأرض حامل وتصرخ من شدّة آلام الولادة). وَلَيْسَ هكَذَا فَقَطْ، بَلْ نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضًا نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا، مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا.
إنَّ أنين الخليقة، معاناة كلّ الخليقة في الألم، يرجع إلى ما تسمّيه الآية 20 “الخضوع”، خضوع الخليقة، وما تسمّيه الآية 21 “عبوديّة الفساد”. وهذان الخضوع والفساد يرجعان إلى من أخضعها “على الرجاء” – أي الله.
هذا ما أشير إليه عندما أقول إنّ الخطيَّة التي دخلت إلى العالم عبر آدم وانتشرت إلى جميع النّاس هي شرّ أخلاقي أكبر مما هي شرّ جسدي نتيجة الألم، ما يعني أنّ رؤية صلاح الله وعدله والإيمان بهما يُحدثان ثورة في أذهاننا وقلوبنا. إذا كنّا سنرى الله على أنّه صالحٌ وعادل وحكيم، فعلينا أن نمّر بمثل هذه الثورة العقليّة والروحيّة العميقة في العقل والقلب فلا يعود الله بالنسبة إلينا كوكبًا يدور حول شمس البشريّة، بل يصبحُ شمسًا هائلةً ومتوهجةً ومجيدةً في مركز النّظام الشمسي لكلّ الأشياء. يصبح الله الحقيقة الأسمى. يصبح كيانه القيمة العليا والكنز الأثمن لهذا الكون.
“الآلام البشريّة برمّتها هي شاهد صارخ على الهول الأعظم للخطيّة البشريّة.”
مات المسيح من أجل الخطاة
أخيرًا، الأمر الثالث الذي يشدّد إيماني هو أنّ الله أرسل ابنه إلى هذا العالم، أرسل ابنه نفسه ليحمل ألم شرّ أخلاقي أكبر من الشرّ الذي اقترفه البشر بتعدّياتهم ضدّ الله الآب. إنّ نزول ابن الله البار والصالح والحكيم والقوي والقدّوس إلى الذلّ والتعذيب الناتجَين من الصلب الروماني لهو ألم كافٍ وإهانة كافية للتكفير عن ذنوب كلّ الذين يؤمنون جميعها.
لذلك كل من يؤمن له الحياة الأبديّة وكلّ الذين يؤمنون لهم فرح أبدي. “وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا” (رومية 5: 8). لذلك أنا لا أزعم أنّ إيمانًا كهذا هو بسيط أو سهل. إنّه عطيّة، وأنا ببساطة أشهد عن السبب الذي من أجله ما زلت مسيحيًّا.
جون بايبر هو مؤسّس خدمة DesiringGod.org ومعلّم ومستشار كلية لاهوت بيت لحم. شغل منصب راعي كنيسة بيت لحم المعمدانيّة، في مينيابوليس في ولاية مينيسوتا مدّة 33 عامًا. وهو مؤلّف أكثر من 50 كتابًا.
تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي لتبقوا على اطّلاع بكل كتبنا الجديدة.