تاريخ اللّاهوت المسيحيّ هو علمٌ قائمٌ بذاته، واسع جدًّا ويمتدُّ لفترة زمنيَّة تعود إلى تأسيس المسيحيّة نفسها أي ما يقارب ألفَي عام. وقد تأسَّست مدارسُ وكليّات وجامعات بهدف التعمُّق في الأبحاث والدراسات المتعلِّقة بهذا العلم. أمَّا الكلمة “لاهوت” (Theology) فتعني العلم المتعلّق بالله أو التعليم المسيحيّ وكلُّ ما تشتمل عليه العقيدة المسيحيَّة.
عندما نقرأ الكتاب القيّم بعنوان “اللاهوت التاريخيّ” لمؤلّفه أليستر إي. ماجراث، نُدرك أهميّة علم اللاهوت ويأخذنا الشوق والفضول لمعرفة المزيد عن هذا الموضوع المهمّ لما فيه من علمٍ يُغني فكرنا ويوسّعُ آفاقنا.
بناءً على ما تقدّم، جميلٌ أن نقرأ عن اللاهوت النظاميّ واللاهوت الفلسفيّ واللاهوت الراعويّ، لكن دراسة اللاهوت التاريخيّ ستُساعدنا في معرفة تاريخ الكنيسة وما مرّ عليها من علماء لاهوت أمثال آباء الكنيسة يوستينوس الشهيد وإيريناوس وأوريجانوس وترتليان وأوغسطينوس الذين بحثوا في الكتاب المقدّس وكتبوا الكثير عن العقائد المسيحيّة والكريستولوجيّة وقانون الايمان. ويشرح كتاب “اللاهوت التاريخيّ” بإسهاب كتابات توما الأكوينيّ وبراهينه الخمسة عن وجود الله. ويتطرَّق أيضًا إلى الأساليب المختلفة المتعلِّقة بتفسير الكتاب المقدّس ويسرد تفاصيل المجامع المسيحيَّة مثل مجمع نيقية ومجمع ترنت وغيرها.
أمّا في ما يتعلَّق بتاريخ الإصلاح، فيتوقف ماجراث عنده مطوّلًا ويشرح لنا وجهات نظر كلٍّ من المصلحين مارتن لوثر وفيليب ميلانكتون وهولدريخ زوينجلي وجون كالڤن وبيلاّرمين. ويتوسّع الكاتب بالحديث عن الإصلاح، فيشرح تطوّره وما تبعه من حركات إصلاحيّة ليشمل الكتاب مواضيعَ مختلفة مثل تجديد المعموديّة، وإعادة ترسيخ الكاثوليكية، والنظر في أسفار الكتاب المقدّس القانونيَّة، وسلطة الكتاب المقدَّس، ودور التقليد، وعقيدة التبرير، والإفخارستيا والنظر اليها كذكرى أو استحالة.
ويتطرّق هذا الكتاب إلى العقائد المسيحيَّة المتعدِّدة المنتمية إلى تيّارات ومنهجيّات لاهوتيّة مختلفة، ويُفنّدها واحدة بعد الاُخرى شارحًا ما ورَد عن كلٍّ منها من أفكار. كما يُخبرنا عن الهرطقات كالغنّوسية والآريوسيّة واللاهوت الأسود شارحًا تاريخها ومخاطرها. كذلك، يُعرّفنا الكتاب لأوّلِ مرَّة باللاهوت النِّسوي الذي يتناول دور المرأة في الكنيسة ومحاولة نساء كثيرات إدخال حركة تحرير المرأة إلى الكنيسة ومساواة المرأة بالرجل في تأدية أدوار قياديّة في الكنيسة.
يبقى الكتاب المقدّس السند الوحيد والمستند الأكيد، وهو السراج والنبراس في عالمنا المظلم هذا، وقصصه وأحداثه حقيقيّة وواقعيّة شاء من شاء وأبى من أبى. لكن لن يجد القارئ المنجذب لهذا الموضوع المهمّ وثيقة لاهوتيّة تاريخيّة متكاملة مثل هذا الكتاب: “اللاهوت التاريخي”.
تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي لتبقوا على اطّلاع بكل كتبنا الجديدة.