نستيقظُ من النوم ونُمسِك هاتفَنا ونُطفئ المنبّه، وإذ بنا مستلقين على السرير والهاتف في أيدينا، نستعدّ لاتّخاذ أوّل قرار لنا في هذا اليوم الجديد. هل نغلق الشاشة أو نبدأ بتصفّح وسائل التواصل الاجتماعي؟
قد يبدو تصفّحُ وسائل التواصل الاجتماعي أمرًا غير مؤذٍ، لكن نعلم جميعًا أنّه طريقةٌ غير سليمة لبدء يومنا، تمامًا مثل تناول الشوكولاتة عند الفطور. إذًا ما هي الطريقة الفضلى للتعامل مع اللحظات الأولى بعد الاستيقاظ من النوم في الصباح؟
قد يفيدُنا أن نحدّدَ لماذا نميل إلى فتح هواتنا قبل أن نفعل أيَّ شيء آخر. تبادرت إلى ذهني ستّةُ أسباب، وهذه جميعها متجذّرة في الخطيّة لا في الرغبة في خدمة الآخرين والتلذّذ بالرّبّ. برأيي، إنّ الوصيّة العُظمى تحدّد لنا جدولَ أعمالنا في الصباح والظهر والمساء. علينا أن نحبَّ الله من كلّ قلوبنا ونفوسنا وأفكارنا وقدراتنا عندما نستيقظ في الصباح، وينبغي لنا أيضًا أن نحضّر أنفسَنا كي نحبّ قريبنا ونخدمه كما لو كنّا نحبّ أنفسنا ونخدمها (متى 22: 34- 40).
الجوع والهروب
في ما يلي ستّة أسباب تجعلنا نستخدم هواتفنا عندما نستيقظ من النوم. الأسباب الثلاثة الأولى تتعلّق بالجوع والأسباب الثلاثة الأخرى تتعلّق بالهروب.
الحداثَة
نحبّ ببساطة أن نطّلعَ إلى كلّ ما هو جديد ونستمعَ إلى أخبار أصدقائنا ونعرف ما حدث في العالم منذ آخر مرّة تفقّدنا الأخبار، كما نودّ أن نكون أوّلَ مَن يعرف خبرًا ما. فنأمل أن نلعبَ دورَ المُخبِر بدلاً من دور الشخص المسكين والجاهل الذي يجب إطلاعُه على ما يحدث. أظنّ أنّ الغرورَ يقبع في هذا النوع من الجوع للحداثة.
الغرور
ماذا قال الناسُ عنّي منذ آخر مرّة تفقّدتُ صفحتي على وسائل التواصل الاجتماعي؟ من انتبه إليّ؟ من أعادَ تغريد منشوري أو أُعجبَ به أو ذكرَني أو تابعني؟ في طبيعتنا الخاطئة والساقطة نجد ممارسةً مفرطةً للغرور البشري. بعضُنا ضعيفٌ ومصابٌ بجروح وهشٌّ وغيرُ واثقٍ بنفسه لدرجة أنّ أيَّ ذِكر صغير لنا يُشعرنا بالرّضا.
الترفيه
كما نلاحظ جميعًا، على الإنترنت وابلٌ من الصور والاقتباسات والفيديوهات والقصص والروابط المُذهلة والغريبة والصادمة والمثيرة للاهتمام والأخّاذة. لقد وصل كثيرون منّا إلى مرحلةٍ أصبحنا فيها شبهَ مدمنين على الحاجة إلى شيءٍ لافتٍ للنظر وغريبٍ وغير عادي ومدهش.
أظنّ أنّ أنواع الجوع هذه الثلاثة تكون عاملةً عندما نستيقظ من النوم، ونشعر برغبةٍ شديدة في أن نشبعَها باستخدام هواتفنا.
ثمّ يوجد أنواع هروب ثلاثة وليست هذه رغبات إيجابية، بل أمورًا نواجهها في حياتنا ونريد ببساطة أن نتجنّبها مدّة خمس دقائق أخرى.
الملل
نستيقظ في الصباح ونجد أنّ يومنا سيكون مملًّا. ما مِن شيء مثيرٍ للاهتمام وثمّة القليل من الحافز للنهوض من السرير. طبعًا، تكره النفسُ البشريّة الفراغ؛ فإذا لم يكن أمامنا شيءٌ مهمٌّ وإيجابيٌّ ومفعمٌ بالأمل ليملأ نفوسنا، فربّما سنستخدم هواتفنا بسرعة لملء هذا الفراغ وتجنّب الانطلاق في هذا اليوم المملّ.
المسؤوليّة
يلعب كلُّ واحدٍ منّا دورًا معيّنًا، أكنت أبًا أو أمًّا أو مديرًا وإلخ. وهناك أحمال ثقيلة ترافقنا مع اليوم الجديد، ولا يمكن التملّص منها. ثمّة الكثيرُ من القرارات التي ينبغي أن نصنعها في ما يتعلّق بأولادنا أو منازلنا أو سيّاراتنا أو شؤوننا الماليّة وغيرها الكثير. الحياة مليئة بالمسؤوليّات ذات الحمل الثقيل ونشعر أحيانًا أنّنا غير قادرين على مجاراتها. فنستلقي في السرير شاعرين بالخوف وحتّى بالاستياء من الناس الذين يمارسون ضغطًا علينا، ولا نتلهّف لهذا اليوم القادم. وبالتالي، بكلّ سرور نتجنّب الواقع مدّة خمس أو عشر دقائق، ويُساعدنا الهاتف في تحقيق ذلك.
الشدائد
ربّما تمرّ في مرحلةٍ في حياتك تواجه فيها عندما تنهض من السرير صراعًا علائقيًّا كبيرًا أو مرضًا ما أو إعاقةً في المنزل أو أصدقاءً يُعارضونك أو ألمًا في جسدك ومفاصلك، فتكاد لا تستطيع النهوض من السرير بسبب الألم الشديد. لذا، من الأسهل الاستلقاء في السرير مدّةً أطول، ويُساعدك الهاتف على الهروب أكثر.
طريقةٌ فضلى لبدء اليوم
ثمّة أمورٌ ذات تأثير قويّ تُبقينا في السرير وعلى أجهزتنا، لكن هناك طريقةٌ فضلى نبدأ بها يومنا، وتتطلّب اتّخاذ بعض القرارات قبل حلول الصباح. لا يُجدي أبدًا بذلُ جهودٍ في اللحظة الأخيرة لاتخاذ قرارٍ بالقيام بشيء مختلف. عليك أن تقرّر قبل اثنتي عشرة ساعة كيف ستبدو لحظةُ الاستيقاظ هذه، وسوف يتطلّب الأمرُ بعضَ التخطيط والتفكير وضبط المنبّه.
يجب أن نسعى في الصباح إلى الامتلاء من الروح القدس. نودّ أن يحفّزنا شيءٌ ما على تمجيد الله في عملنا، ونريد أن نتمتّع بالقوّة الكافية لنواجه ما يمكن أن يخبّئه لنا اليوم. نريد ما يمنحنا شجاعةً وفرحًا لكي نحسب الآخرين أفضل منّا ونسعى وراء العظمة الحقيقيّة التي تكلّم عنها يسوع والمتمثّلة بكوننا خدّامًا للجميع. هكذا يجب أن يكون جدولُنا في الصباح، لكنّ قليلين منّا يستيقظون متمتّعين بالقوّة التي تسمح لهم بتحقيق جميع هذه الأمور المجيدة التي نتشارك فيها مع يسوع.
إحسانات الرّبّ في الصباح
يتّضح المسارُ الجديد الذي ينبغي اتّباعه في الصباح في المزامير على ما أظنّ، وفي ما يلي آية رئيسة: “يَا رَبُّ بِالْغَدَاةِ تَسْمَعُ صَوْتِي. بِالْغَدَاةِ أُوَجِّهُ صَلاَتِي نَحْوَكَ وَأَنْتَظِرُ” (مزمور 5: 3). فليكن أوّلُ ما يخرج من فمك عندما تستيقظ من النوم صرخةً لله بحيث تقول له: “أحبّك يا ربّ، وأنا بحاجة إليك. ساعدني يا ربّ”. “أَسْمِعْنِي رَحْمَتَكَ فِي الْغَدَاةِ لأَنِّي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ. عَرِّفْنِي الطَّرِيقَ الَّتِي أَسْلُكُ فِيهَا لأَنِّي إِلَيْكَ رَفَعْتُ نَفْسِي” (مزمور 143: 8). يجب أن نترقّب إحسانات الرّب التي نجدها في كلمته. ثمّ يُخبرنا مزمور 90: 14 كيف يجب أن نصلّي من أجلها عندما تأتي: “أَشْبِعْنَا بِالْغَدَاةِ مِنْ رَحْمَتِكَ فَنَبْتَهِجَ وَنَفْرَحَ كُلَّ أَيَّامِنَا.” لا تكتفِ بالبحث عنها، بل اطلب من الله أن يُشبعك منها فتفرح كلَّ أيّامك.
” تَقَدَّمَتْ عَيْنَايَ الْهُزُعَ لِكَيْ أَلْهَجَ بِأَقْوَالِكَ” (مزمور 119: 148).
أقترح عليكم قبل أن تخلدوا إلى النوم اليوم أن تتّخذوا بعض الخيارات، وتضعوا بعض الخطط، وتُحرّروا أنفسَكم من الميل لإشباع الجوع وعادات الهروب التي تُفسِد إمكانيّة التمتّع بالقوّة اللازمة في بداية اليوم.
تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي لتبقوا على اطّلاع بكل كتبنا الجديدة.