“احتفال بعنوان “تاريخ من تاريخ

كلمة رئيس المجمع القس د. صموئيل الخرّاط

مناسبة صدور كتاب تاريخ المعمدانيين في لبنان

دعوة من المجمع بالتعاون مع دار منهل الحياة

17 أيار 2015 – المنصورية كليّة اللاهوت المعمدانية العربية

تاريخ من تاريخ، هو أعمق من تاريخ بدايات ومسيرة قاربت المائة والعشرون سنة على تأسيس أوّل كنيسة معمدانية في لبنان (1895) والشرق الأوسط.

تاريخ من تاريخ هو أكثر من سحابة شهود، ورجال إيمان من لبنان. أمثال القسوس الأفاضل أمثال سليم الشاروق، سعيد الجريديني، نجيب خلف والياس الصليبي، الذين نتمثّل بايمانهم. وقديسون أحياء فيما بيننا نضرع الى الله أن يكرمهم بالعمر المديد والشيبة المثمرة في خدمة ملكوته.

تاريخ من تاريخ هو أوسع من انتشار كنائس في مناطق متعددة شملت مساحة الوطن.

تاريخ من تاريخ هو أشمل من تاريخ كنائس معمدانية، إذ هو قصّة عمل الله تعالى، الذي له يعطى الفضل والمجد على الدوام.  كان اللقاء الأخير في الكنيسة في بكفيا  مع القس فنلي غراهم لتكريمه قبل سفره النهائي من لبنان، وأنا بعد في مستهل خدمتي الراعوية. سألته ما هو سر توسّع الخدمة وازدياد عدد الكنائس. فاجابني على الفور: “أخوي كنّا حاضرين عندما أراد الرب أن يعمل”.  وهذا حق كتابي مطلق. وإذ أعيد اليوم قراءة الإجابة التي نقشت في ذهني وعلى قلبي أقول: حاضرون في الإيمان والأمانة لسيّد العهد وكلمته المقدّسة. فقد ارتضى وما برح واضعا قوّته في آنية خزفية لكي يعود فضل القوّة لله لا منّا. فنحن لسنا سوى أدوات ضعيفة وسريعة العطب. وعلينا ان نواصل تمسكّنا بهذه الإستراتيجية، حاضرون بالإيمان والأمانة لنرى ماذا يريد الرب سيّد التاريخ أن يفعل معنا ومن خلالنا. وإذ نذكر التاريخ الماضي بكل مضامينه لا لكي نفهم الحاضر ونستشرق المستقبل فحسب، بل لكي نشهد لأمانة إلهنا المبارك “الذي يعطينا النجاح ونحن عبيده نقوم ونبني”، ونكتب تاريخنا بالإيمان والأمانة.

كتابة وصياغة التاريخ ليست بالأمر السهل. فنحن نحتاج الى الموضوعية والموهبة. وهنا بالأصالة عن نفسي كرئيس لمجمع الكنائس المعمدانية في لبنان، وبالنيابة عن الكنائس والرعاة الأفاضل، لا بدّ من تقديم كلمة شكر وتقدير  لكاتب كتاب تاريخ المعمدانيين القس د. بيار فرنسيس. والقس د. غسّان خلف الذي قدّم وراجع الكتاب، وأيضا للجمعية المعمدانية ودار منهل الحياة ممثلة بالسيّدة سوسن التنوري، على المجهود الكبير والتعب غير اليسير ؛ إنّ صياغة التاريخ ليست بالأمر السهل، فكم بالأولى صناعة التاريخ. أتكلّم الآن من وجهة نظر بشرية. فنحن في أمس الحاجة الى خارطة طريق تمكننا من صناعة المستقبل. وخارطة الطريق سبق ووضعها يسوع ربنا الذي هو الطريق والحق والحياة. ولعلّ أبرز معالمها، وبعض ما نحتاج أن نتذكره في مناسبة “تاريخ من تاريخ”:

+ “الحصاد كثير والفعلة فليلون فأطلبوا من ربّ الحصاد أن يرسل فعلة الى حصاده”. فلنبحث عن المدعووين من الرب لحمل مشعل الإنجيل.

+ “ما يزرعه الإنسان إياه يحصد”. “وكل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب وكل مدينة او بيت منقسم على ذاته لا يثبت”. هذه أيضا من معالم فلسفة يسوع في صناعة التاريخ.

+ الأمانة للعهد والكلمة المقدّسة هي المفتاح الذهبي لصناعة تاريخ يُسرّ الله وبحسب قوّته. قال يسوع: «تضلون اذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله”. “فتشوا الكتب لانكم تظنون ان لكم فيها حياة ابدية. وهي التي تشهد لي. ولا تريدون ان تاتوا الي لتكون لكم حياة”. «بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه». هؤلاء يسطرون التاريخ بريشة النعمة.

+ اذا نسعى كسفراء عن المسيح كان الله يعظ بنا.نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله.

+ “الودعاء يرثون الأرض”. فليعطنا الرب جميعا فهما في كلّ شيء.

يمرّ الأفراد والدول كما المؤسسات الكنسيّة في مراحل ثلاث، مرحلة الطفولة ومرحلة المراهقة ومرحلة النضج. وبحسب الرسول بولس، “لما كنت طفلا كطفل كنت أفتكر” وأتصرّف، “لكن لما صرت رجلا أبطلت ما للطفل”. إذا كي يكون ويبقى تاريخنا مشرقا ومشرّفا تظلله سحابة الرضى الإلهي، نربأ بنفوسنا أن نجتهد لنكون ناضجين وفي مرحلة النضج الدائم؛ المثل الكتابية العليا هي مقياسنا، القيم والأخلاقيات المسيحية هي نبراسنا. ومثال يسوع قدوتنا. فلا بديل عن النزاهة والإستقامة. ولا استبدال لكلمة الله بأساس آخر. فنحن قوم نكرم  ونعلّي كلمة الله. ونؤمن أنّ الكتاب المقدّس وحده هو مقياس العقيدة والإيمان والسلوك المسيحي. ولا تفريط بما ضحى الأجداد والأسلاف لأجله من كنوز لا تقدر بثمن ومنها حريّة الضمير.ولنكن حاضرين على الدوام لعمل روح الله فينا ومن خلال “الكنيسة التي اقتناها بدمه”؛ فلنتشبّث بالأرض، ولنعش المواطنية الصالحة، ولنرتفع فوق قلق المصير. لأنّ سيّد الأرض والخليقة باسرها الآب والأبن والروح القدس الإله الواحد جالس على عرشه السرمدي. فنحن لسنا في دائرة الإنتظار لما سيعمله الله في بلادنا وهذا الشرق الواسع، إذ أننا نرى روح الله يرفّ على بقعة العظام اليابسة من المحيط الى الخليج. وسترتفع غمامة الظلام والفوضى المحيطة بنا، يرى كلّ بشر خلاص الله. ويتعظّم إسم المسيح يسوع مشتهى الأجيال. وعندئذ نهتف مع القديسين “قد صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه”.